بين فرويد وأدلر: هل يمكن للتيلولوجيا (علم الغايات) أن تحررنا من قيود الصدمات؟

كيف يرفض ألفرد أدلر تأثير الصدمات على الحاضر والمستقبل من خلال مفهوم التيلولوجيا أو علم الغايات، مقارنةً بنهج سيغموند فرويد الذي يركز على علم الأعراض. تعرف على كيفية تجاوز الماضي عبر تحديد أهداف جديدة للحياة

بين فرويد وأدلر: هل يمكن للتيلولوجيا (علم الغايات) أن تحررنا من قيود الصدمات؟
الصدمة النفسية بين علم الأعراض وعلم الغايات - الصحة النفسية


عند دراسة الفلسفات النفسية التي قدمها كل من ألفرد أدلر وسيغموند فرويد، نجد فرقًا جوهريًا في فهمهما لطبيعة النفس البشرية.

ركّز فرويد على مفهوم علم الأعراض (etiology)، حيث اعتبر أن الماضي والصدمات النفسية هي المحدد الرئيسي للشخصية والحاضر. في المقابل، رفض أدلر هذا النهج، وقدم مفهوم التيلولوجيا (teleology) أو علم الغايات، الذي ينظر إلى الإنسان من خلال الأهداف التي يسعى لتحقيقها في المستقبل، بغض النظر عن تجاربه السابقة.

الفرق بين علم الغايات وعلم الأعراض

فرويد رأى أن الصدمات النفسية تشكل لبنة أساسية في بناء شخصية الفرد، وأن الفهم العميق لهذه الصدمات هو مفتاح العلاج. بينما، أدلر نفى أن تكون الصدمات هي العامل الحاسم في تشكيل الفرد، وبدلاً من ذلك، ركز على الغايات والأهداف التي يتطلع إليها الشخص وكيف تشكل هذه الأهداف اختياراته وسلوكه.

نفي أدلر للصدمات: بالنسبة لأدلر، الصدمات النفسية ليست المحرك الرئيسي لسلوك الفرد. يعتقد أن التركيز المفرط على الماضي يمنع الفرد من التقدم نحو المستقبل. من هنا جاء نفيه لفكرة أن الصدمات هي التي تحدد مستقبل الإنسان، مؤكدًا أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على تحديد أهداف ذات معنى تدفع الفرد نحو تحقيق إمكانياته.

فوائد التيلولوجيا أو علم الغايات في التعامل مع الصدمات

على الرغم من رفض أدلر لدور الصدمات في تكوين الذات، إلا أن مفهوم التيلولوجيا يقدم أدوات قوية للتعامل مع آثار الصدمات. يمكن للأفراد استخدام هذا المفهوم لتجاوز ما تعرضوا له في الماضي عبر تغيير أهدافهم الأساسية. فبدلاً من البقاء عالقين في تجاربهم السابقة، يستطيعون إعادة تعريف هويتهم بالتركيز على المستقبل وما يمكن تحقيقه.

من هنا، يمكن القول إن التيلولوجيا تمثل نقطة تحول في الفهم العلاجي، حيث تمكّن الأفراد من التخلص من القيود التي فرضتها عليهم صدماتهم السابقة. ومن خلال التركيز على الهدف الأسمى في الحياة، يمكنهم تشكيل حاضرهم ومستقبلهم بطريقة إيجابية، بعيدًا عن تأثيرات الماضي.

مثال كيف يتعامل أدلر مع الصدمات وكيف يحقق في فهم الغايات

ألفرد أدلر يعتمد في منهجه على فكرة أن السلوك الإنساني موجه نحو الأهداف، وليس فقط نتيجة للتجارب الماضية أو الصدمات. في حالة مثل العزلة المقصودة التي يختار فيها الفرد أن يعزل نفسه داخل المنزل، مدعيًا أن الأعراض الجسدية مثل الهياج وارتفاع النبض أو انقطاع النفس مرتبطة بصدمة من الطفولة، سيقوم أدلر بتحليل الحالة بطريقة مختلفة عن التركيز التقليدي على الصدمة النفسية.

وفقًا لمنهج أدلر التليولوجي، فإنه سيركز على الهدف الذي يحققه هذا السلوك الحالي للفرد. بدلاً من رؤية الأعراض كنتاج مباشر للصدمة، قد ينظر أدلر إلى العزلة كوسيلة يتجنب بها الفرد التعامل مع مواقف معينة أو مسؤوليات أو خوف من الفشل. وبالتالي، فهو سلوك موجه نحو هدف غير واعٍ، مثل حماية الذات من الشعور بالقلق الاجتماعي أو التقييم السلبي.

عندما يأتي فرد يشكو من هذه الأعراض ويعتقد أنها ناتجة عن صدمة طفولية، سيسأل أدلر:

  1. ما الذي تجنبه الشخص بالبقاء في المنزل؟
    أدلر سيبحث عن الغرض الحقيقي وراء العزلة: هل هي لتجنب مواقف اجتماعية غير مريحة؟ أو لتجنب مواجهة تحديات جديدة؟

  2. ما الأهداف التي وضعها الشخص في حياته؟
    سيقوم أدلر بتوجيه الشخص نحو تحديد الأهداف المستقبلية التي يمكن أن تمنحه إحساسًا بالتحكم والقدرة على تغيير وضعه الحالي.

  3. كيف يمكن للشخص تغيير أهدافه؟
    سيركز أدلر على تغيير رؤية الفرد لنفسه وللعالم من خلال إعادة توجيه طاقته نحو أهداف إيجابية وجديدة تساعده على الخروج من العزلة. بدلاً من التركيز على الصدمة السابقة، سيطلب من الفرد التركيز على أهداف مثل تعزيز ثقته الاجتماعية أو المشاركة في أنشطة تدريجية خارج المنزل، حتى يحقق التغيير في سلوكه.

التليولوجيا كأداة لتغيير السلوك:

بدلاً من الحفر العميق في أحداث الطفولة، يوجه أدلر الفرد نحو التفكير في المستقبل وكيفية تجاوز العوائق الحالية من خلال تحقيق أهداف جديدة. سيعمل على تعزيز فكرة أن الأعراض التي يواجهها ليست نتيجة الصدمة بحد ذاتها، بل هي آلية دفاعية مرتبطة بأهداف غير مدركة. لذا، التغيير في الأهداف والتركيز على ما يمكن تحقيقه في المستقبل هو ما يساعد في التغلب على العزلة والمخاوف الجسدية المرتبطة بها.

باختصار، وفقًا لمنهج التليولوجيا، لا ينصب التركيز على الصدمة بقدر ما هو على الهدف الذي يخدمه السلوك الحالي، وكيف يمكن تعديل هذا السلوك عن طريق تغيير الأهداف المستقبلية وتطوير نهج جديد للحياة.

في النهاية، بينما يعتمد فرويد على تحليل الماضي لفهم الحاضر، يوجه أدلر اهتمامه نحو المستقبل، معتبرًا أن الأهداف التي يحددها الفرد هي المحرك الأساسي لسلوكه وتطوره. وفكرة التيلولوجيا، إذا ما تم تطبيقها بشكل صحيح، تفتح آفاقًا جديدة للأفراد لتجاوز الصدمات وتحقيق حياة أكثر تحقيقًا ونجاحًا.